للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تبادر إلى أفهامهم من طريان الكسل والثقل، كأنه قال: ليتني صليت فاسترحت ونمت فإني لم أطق انتظارها، فقال الرجل: لست أريد ما فهمتم حاشا ذلك، بل أردت ما أراد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: (يا بلال أرحنا بها) فسكتوا.

واعلم أنه قد ذكر في معنى قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (أرحنا يا بلال) وجهان، أحدهما: أن أَذِّنْ بالصلاة حتى نستريح بأدائها عن شغل القلب بها، وثانيهما: أنه كان اشتغاله -صلى اللَّه عليه وسلم- بها راحة له، فإنه كان يَعُدُّ غيرها من الأعمال الدنيوية تعبًا، وكان يستريح بها لما فيها من مناجاة الحق، ولذا قال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)، وهذان المعنيان المذكوران في (النهاية) (١) للجزري، وبينهما فرق، فإن الراحة في الأول بإبراء الذمة، ووجود الطاعة، وامتثال الأمر، والخلاص من تعب الشغل، وتعلق القلب بها، وفي الثاني الراحة بوجود الصلاة، وذوق المناجاة، والشهود الذي يحصل فيها، ولا شك أن المعنى الثاني أتم وأكمل وأنسب وأليق بحاله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقول الرجل الخزاعي: (ليتني صليت فاسترحت) ظاهرًا ينظر إلى المعنى الأول، ويمكن أن يكون مراده: استرحت بها عن الاشتغال بما سوى اللَّه، كما في المعنى الثاني، وأما قول الطيبي في شرح قوله: (فكأنهم عابوا ذلك): أي: تمنيه الاستراحة في الصلاة وهي شاقة على النفس، وثقيلة عليها، وجوابه بقوله: لعلهم نسوا قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: ٤٥] (٢)، فلا يخلوا عن بعدٍ عن فهم المرام، فتأمل.


(١) "النهاية" (٢/ ٢٧٤).
(٢) "شرح الطيبي" (٣/ ١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>