بالعبادة في يوم الجمعة بقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}[الجمعة: ٩] الآية، فهداهم بالامتثال لأمره، ولم يضلّهم بالإباء والتمرد والتعلل، والثاني أن اللَّه تعالى هداهم ووفقهم للإصابة حتى عينوا الجمعة، وقالوا: إن اللَّه خلق آدم لعبادتهم، وكان خلقه يوم الجمعة، فكانت العبادة فيه أولى وأنسب، ولأنه تعالى خلق في سائر الأيام ما ينتفع به الإنسان، وفي يوم الجمعة أوجد نفسه، والشكر على نعمة الوجود أهم وأحرى من الشكر على النعم الخارجة من الذات، وأيضًا لما اجتمع الخلق في يوم الجمعة والإنسان الذي يشفع به أيضًا خلق فيه تعين هذا اليوم للعبادة، وكان أنسب وأوفق بذلك، ولا شك أن هداية اللَّه الجمعة بالنص عليها دون الاجتهاد وهو الأظهر الأشهر.
وذكر الشيخ ابن حجر ما يؤيد المعنى الثاني وقال: ويشهد له ما رواه عبد الرزاق (١) بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال: جمَّع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وقبل أن تنزل الجمعة، فقالت الأنصار: إن لليهود يومًا يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فلنجعل يومًا نجتمع فيه، فنذكر اللَّه تعالى ونشكره، فجعلوه يوم العروبة واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ، وأنزل اللَّه تعالى بعد ذلك {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الآية، وهذا وإن كان مرسلًا فله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث كعب بن مالك قال: كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدينة أسعد بن زرارة، الحديث، وعلى هذا فقد حصلت لنا الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق، واللَّه أعلم.