وقوله:({وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}) فهذا دليل على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يخطب قائمًا، والقيام في الخطبة عند أبي حنيفة ومالك وأحمد رحمهم اللَّه سنة، وعند الشافعي رحمه اللَّه وفي رواية عن مالك رحمه اللَّه واجب، وعند الباقين أن القيام في الخطبة يشترط للقادر كالصلاة.
وقال في (فتح الباري)(١): روى ابن أبي شيبة من طريق طاوس قال: أول من خطب قاعدًا معاوية حين كثر شحم بطنه، وهو مرسل يعضده ما روى سعيد بن منصور عن الحسن قال: أول من استراح في الخطبة يوم الجمعة عثمان -رضي اللَّه عنه-، فكان إذا أعيا جلس، ولم يتكلم حتى يقوم، وأول من خطب جالسًا معاوية، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبا بكر وعمر وعثمان -رضي اللَّه عنهم- كانوا يخطبون يوم الجمعة قيامًا حتى شقَّ على عثمان -رضي اللَّه عنه- القيام، وكان يخطب قيامًا ثم يجلس، فلما كان معاوية خطب الأولى جالسًا والأخرى قائمًا، ولا حجة في ذلك لمن أجاز الخطبة قاعدًا؛ لأنه تبين أن ذلك للضرورة.