ولم ينهنا عنها ونحن نفعلها، وهذا يدل على تأخرها عن رمضان (١).
ثم أعلم أن في شرعية الزكاة وسائر الصدقات كالعشر ونحوه وأحكامها وحدودها قد روعي حكم ومصالح يجد من يتأمل فيها من الناظرين، وفي كل الأحكام الشرعية دقائق وحكم لا تعدّ ولا تحصى، فالأصل في شرعية الزكاة والصدقة مراعاة الفقراء ومواساتهم، وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يوصي ويرغب في إيصالها إليهم، فيبعث الديانة والأمانة بلا محنة ولا مشقة وَمَنٍّ وأذى، وإيجاب الأنثى في الإبل لكون المنفعة فيها أكثر من الذكور من هذا القبيل، ومع ذلك قد روعي حال أصحاب الأموال بنهي العمال عن أن يظلموا عليهم، ويتجاوزوا عن الحد، ويتجنبوا الجياد من أموالهم، ويأخذوا الزيادة على قدر الفريضة من الهدايا والضيافات، واشتراط النماء وحولان الحول وسائر ما هو من باب البر والرفق من هذا الباب على ما هو دأبه -صلى اللَّه عليه وسلم- في رعاية غاية العدالة والتوسط في الحقوق والأحكام، -صلى اللَّه عليه وسلم- وجزاه عن الأمة خير الجزاء.
ومن جملة ذلك إيجاب الزكاة في أربعة أصناف من المال التي دورانها ووجودها بين الناس أكثر واحتياجهم إليها أوفر، حتى يكون أداؤها أيسر وأخذها للحاجة أوقع، أحدها: الزروع والثمار كالحبوب والتمر والزبيب، لا كالبقول والخضراوات التي تفسد في أدنى مدة. وثانيها: بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم بالشرائط والصفات المعتبرة فيها المذكورة في الفقه. وثالثها: الذهب والفضة والأثمان التي بها القوام ومعاش الناس
(١) والمعتمد أن الزكاة فرضت بمكة إجمالًا، وبينت بالمدينة تفصيلًا جمعًا بين الآيات التي تدلّ على فرضيتها بمكة، وغيرها من الآيات والأدلة، واللَّه أعلم. "مرقاة المفاتيح" (٤/ ١٢٦٠).