[من وراء] ما يحتاج إليه العيال كالشيء الذي يطرح خلف الظهر، وبيّنه قوله في الحديث:(وابدأ بمن تعول)، ومثله قوله:(من دعا لأخيه بظهر الغيب) كأنه من وراء معرفته [ومعرفة] الناس بذلك، وقد يكون [قوله: ](عن ظهر غنى)[بمعنى] بيان الغنى وما فوق الكفاف، إذ الكفاف غنى، ويحتاج في الصدقة إلى زيادة وظهور عليه أو ارتفاع مال وزيادته عليه، وقيل: عن ظهر غنى، أي: ما أغنيت به السائل عن المسألة، ومساق الحديث ومقدمته يمنع هذا التأويل لأنه قال:(وابدأ بمن تعول)، انتهى كلام (المشارق).
هذا ثم قال التُّورِبِشْتِي (١) ما حاصله: إن ظهر غنى عبارة عن تمكن المتصدق من غنى ما؛ إما استغناؤه عما بذل بسخاوة النفس وقوة العزيمة ثقة باللَّه سبحانه، وهذا أفضل اليسارين، وقد ورد في الحديث:(ليس الغنى عن كثرة العرض، وإنما الغنى غنى النفس)، وإما استغناؤه بالعرض الحاصل في يده، ولهذا جيء بـ (غنى) منكرًا، وذلك مثل قولهم: هو على ظهر سير وراكب متن السلامة ونحو ذلك من العبارات التي يعبر بها عن التمكن من الشيء والاستواء عليه؛ لأنا وجدنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حمد صنع أبي بكر -رضي اللَّه عنه- لما انخلع من ماله أجمع، ولما سأله:(ما أبقيت لنفسك وعيالك؟ ) وقال: اللَّه، حمد هذا القول منه، ولما سئل عن أفضل الصدقة قال:(جهد المقل)، فلو حملنا الحديث على الجد وكثرة العرض لتناقضت الأحاديث، انتهى.
وأما تأييد المعنى الأول بقوله:(وابدأ بمن تعول) فضعيف؛ لأنه يصح على أحد محتملي الغنى، ولو خص بغنى النفس لم يتأيد؛ لأنه كلام مستبد وحكم مستقل، ولا يجب أن يكون مرتبًا على الأول، ولذا ذكره في حديث:(جهد المقل)