للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِبح الْمِسْكِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ،

ــ

البارد يخرج الشكر من صميم القلب، وإما بالشكر على تمام النعمة وتوفيق اللَّه سبحانه به، و (الخلوف) بالضم تغير فم الصائم وطيبه (١)، (عند اللَّه) كناية عن قربه تعالى ورضاه عن الصائم، وقيل: يكون يوم القيامة أطيب منه كدم الشهيد (٢).

وقوله: (والصيام جنة) أي: من المعاصي في الدنيا، أو من النار في الآخرة.

وقوله: (فلا يرفث) بضم الفاء أي لا يفحش ولا يتكلم بكلام قبيح، (ولا يصخب) بفتح الخاء، أي: لا يرفع صوته بالهذيان والخصومة.


(١) قال الباجي: الْخُلُوفُ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ فَمِ الصَّائِمِ، وَإِنَّمَا يَحْدُثُ مِنْ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ بِتَرْكِ الأَكْلِ وَلَا يَذْهَبُ بِالسِّوَاكِ؛ لأَنَّهَا رَائِحَةُ النَّفَسِ الْخَارِجِ مِنْ الْمَعِدَةِ، وَإِنَّمَا يَذْهَبُ بِالسِّوَاكِ مَا كَانَ فِي الأَسْنَانِ مِنْ التَّغَيُّرِ. وَقَالَ الْبَرْنِيُّ: خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ تَغَيُّرُ طَعْمِ فَمِهِ وَرِيحِهِ لِتَأَخُّرِ الطَّعَامِ، وَهَذَا لَيْسَ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وَإِنَّمَا هُوَ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَلِذَلِكَ مُنِعَ الصَّائِمُ السِّوَاكَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ؛ لأَنَّهُ وَقْتُ وُجُودِ الْخُلُوفِ فِيهِ عِنْدَهُ، وَأَبَاحَهُ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لأَنَّ الْخُلُوفَ عِنْدَهُ لَا يَزُولُ بِالسِّوَاكِ؛ لأَنَّ أَصْلَهُ مِنَ الْمَعِدَةِ، وَلَوْ زَالَ بِالسِّوَاكِ لَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لأَنَّ تَعَاهُدَهُ بِالسِّوَاكِ قَبْلَ الزَّوَالِ يَمْنعُ وُجُودَهُ مِنْهُ بَعْدَ الزَّوَالِ. انتهى. "المنتقى شرح الموطأ" (٢/ ٧٤).
(٢) اختلف في كون الخلوف أطيب عند اللَّه من ريح المسك مع أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروائح إذ ذاك من صفات الحيوان، ومع أنه يعلم الشيء على ما هو عليه على أوجه. قال المازري: هو مجاز لأنه جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا، فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من اللَّه، فالمعنى أنه أطيب عند اللَّه من ريح المسك عندكم، أي: يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم، وإلى ذلك أشار ابن عبد البر. وقيل: المراد أن ذلك في حق الملائكة، وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما تستطيبون ريح المسك. وقد بسط في "الفتح" عدة أقوال فارجع إليه (٤/ ١٠٥ - ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>