للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

إنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: ١٩٦٥، م: ١١٠٣].

ــ

وقوله: (إني أبيت) وفي رواية أنس -رضي اللَّه عنه- (١): (إني أظل).

وقوله: (يطعمني ربي ويسقيني) اختلف في معناه فقيل: هو على حقيقته، وأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يؤتى بطعام وشراب من عند ربه كرامة له، وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلًا، ورواية (أظل) يدل على وقوع ذلك بالنهار، فلم يكن صومًا، وأجيب بأن ما يؤتى به من طعام الجنة وشرابها كرامة لا يجري عليه أحكام التكليف كغسل صدره الشريف في طست الذهب مع أن استعمال أواني الذهب الدنيوية محرم.

وقال ابن المنير: الذي يفطر شرعًا إنما هو الطعام المعتاد، وأما الخارق للعادة كالمحضر من الجنة فلا، وليس تعاطيه من جنس الأعمال، وإنما هو من جنس الثواب كأكل أهل الجنة في الجنة، وأما رواية (أظل) فهي محمولة على مطلق الكون كما يقال: أضحى زيد قائمًا بمعنى صار، ولا يراد تخصيص ذلك بوقت الضحى، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: ٥٨] فإن المراد به مطلق الوقت، ولا اختصاص لذلك بنهار أو بليل، وعلى تقدير التسليم تفطيره بذلك وإن كان نهارًا ممنوع، على أن الرواية المشهورة هو (أبيت) الدال على وقوعه ليلًا دون أظل، وعلى تقدير ثبوته محمول على مطلق الكون.

وقال الأكثرون: هو مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة، وهذا الوجه يرجع إلى معنيين، إما أنه يعطى القوة من غير وجود شبع وريّ بل مع الجوع والعطش، أو يخلق الشبع والري أيضًا بدون الطعام والشراب، ويرجح المعنى الأول بأن الثاني ينافي حال الصائم، ويفوت المقصود من الصوم والوصال؛ لأن الجوع والعطش هو روح هذه العبادة والمقصود منها، وأيضًا كانت حالته الشريفة في الأكثر الجوع حتى


(١) أخرجه البخاري (٧٢٤١)، وصحيح مسلم (١١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>