والولي بمعنى المحب والناصر ومن يتولى الأمر، فعيل بمعنى فاعل ومفعول.
وقوله:(وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه) يدل على أن قرب العبد من ربه بأداء الفرائض أتمُّ وأكمل مما يحصل من أداء النوافل؛ لأن فناء العبد وانعزاله من اختياره في امتثال الأمر أشد في أداء الفرائض؛ فإن النوافل يهديها العبد إلى الرب بالاختيار والتبرع، ويحصل في الأول فناء الذات وفي الثاني فناء الصفات، كذا قالوا، وهذا هو المشهور المتداول بألسنة القوم في متأخر الزمان.
وأقول -وباللَّه التوفيق-: إن فائدة النوافل في الحقيقة تكميل الفرائض وتتميم ما وقع فيها من النقصان، فيكون القربُ الحاصل بأداء النوافل بعد أداء الفرائض وتكميلها بها أتمَّ وأكمل باجتماع القربين، فهذا المقام المشار إليه بالحديث هو مقام الفناء في التوحيد الذي يكون وجود العبد وأفعاله وذاته وصفاته فانيًا، ولم يبق في نظر شهوده سوى الحق وذاته وصفاته وأفعاله، وهي أكمل المراتب وأعلى المقامات في القرب شاملًا لجميع أقسامها التي قسَّمها إليها بعض المتأخرين من الصوفية، ولهذا قصر عليه سيدنا ومولانا قطب العارفين غوث الثقلين محي الدين عبد القادر الجيلاني رحمه اللَّه في كتابه (فتوح الغيب)، وجعله آخر المراتب ونهايتها، قال: قال اللَّه تعالى: أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي، فاللَّه تعالى لا يكون عندك حتى تنكسر جملة هواك وإرادتك؛ فإذا انكسرت ولم يثبت فيك شيء ولم تصلح لشيء، فيَجعل فيك إرادة فتريد بتلك الإرادة، فإذا وُجِدْت بتلك الإرادة المنشأة فيك كَسَرها الرب تعالى لوجودك، فتكون منكسر القلب أبدًا، فهو عزَّ وجلَّ لا يزال يجدد فيك إرادة، ثم يزيلها عند وجودك فيها، هكذا إلى أن يبلغ الكتاب أجله فيحصل اللقاء، قال اللَّه تعالى عزَّ وجلَّ في بعض ما يذكره