عنه نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا يزال عبدي المؤمن يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش)، وهذا إنما يكون حالة الفناء لا غير، فتعمى عما سواه فلا ترى بغيره وجودًا.
هذا كلامه الأقدس، وهو كلام تام شامل لجميع مراتب الفناء، لا كما يزعمه بعض القاصرين أنه مرتبة قرب النوافل وأدنى المراتب، فافهم. وباللَّه التوفيق، وهو يقول الحق ويهدي السبيل.
وقوله:(فكنت سمعه. . . إلخ) يعني: ما يسمع شيئًا ولا يبصر شيئًا ولا يبطش شيئًا ولا يمشي إلى شيء إلا والحق سبحانه منظوره ومشهوده، على ما أشار إليه بعض العارفين بقوله: ما رأيت شيئًا إلا ورأيت اللَّه فيه أو معه أو قبله أو بعده على تفاوت الأحوال، وأول هذه المراتب العمل لامتثال أمر اللَّه ونية التقرب إليه، وآخره الفناء في التوحيد، وإذا بلغ العبد هذه المرتبة يستجاب دعاؤه البتة بفنائه عن إرادته وتمحض عبوديته.
وقوله:(ولئن استعاذني) بنون الوقاية، وفي بعض النسخ بالموحدة، وهذا أظهر معنى وإن كان الأول أشهر رواية.
وقوله:(وما ترددت) إشارة إلى بعض آثار المحبة وخواصها، وتولي الحق سبحانه
(١) وقال ابن حجر: والذي في الأصول المشهورة: "حتى أحببته فكنت سمعه"، وفي نسخة صحيحة: "فإذا أحببته كنت سمعه". "مرقاة المفاتيح" (٤/ ١٥٤٥).