والسرقة كأنه سعى في نفيه، فالحكم بخلافه وضده كان تذليلًا وإكراهًا.
واعلم أن هذا الحديث وأمثاله تدل على أن المؤمن إن كان فاسقًا ومرتكبًا للكبيرة دخل الجنة، ولم يخلد في النار، ويغفر اللَّه له إن شاء، أو يعذبه ثم يدخله الجنة، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، والأحاديث في ذلك كثيرة، والأحاديث الدالة على خلافه تؤول عندهم تطبيقًا بين الدلائل، وعلى هذا كان إجماع السلف من الصحابة والتابعين، ثم نشأت المبتدعة من المعتزلة وغيرهم، وقالوا: في هذا انخلاع عن ربقة الدين والملة، وانسلال عن قيد الأحكام والشريعة، وإغراء للناس على ارتكاب المعاصي وتركهم سدى مهملين، وهذا خطأ منهم، فإن الوعيدات الواردة في شأن العصاة كافية في الزجر عن المعاصي وتركها، فلو شاء يعذب على أدنى معصية أحقابًا، وورد:(إن أدنى مدة مكث العصاة من المؤمنين مدة عمر الدنيا وسبع آلاف سنة)، نعم وعد المؤمنين بفضله ورحمته الواسعة بالخلاص عن خلود النار، وأما الأحاديث الناطقة بحرمة (من قال: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه صدقًا من قلبه) على النار فمؤول بحرمة خلوده فيها، أو المراد النار التي أعدت للكافرين، وقال بعضهم: إن هذا كان قبل نزول الفرائض والأوامر والنواهي، ومنهم من قال: إن المراد أن يقول هذه الكلمة ويؤدي حقها وفريضتها، وقيل: إذا قالها عند الندم والتوبة، هذا في حرمة قائلها على النار.
أما دخول الجنة ولو بعد التعذيب وعدم خلوده في النار؛ فالمذهب أن مجرد هذه الكلمة إذا صدرت خالصة من القلب صدقًا، ثم لم يطرأ عليها ما يضادها يحصل بها أصل النجاة ولو بعد تعذيب، وليست هذه الحالة يسيرة سهلة تحصل لكل أحد، فإن قلوب أرباب المعاصي قلما تخلو عن استحلال واستحقاق بالمعصية، محشوة