قال الإمام الغزالي (١): الرحمة إفاضة الخير على المحتاجين، وإرادته لهم عناية بهم، والرحمة العامة التي تتناول المستحق وغير المستحق، ورحمة اللَّه تامة عامة، تشمل المستحق وغيره وتعمُّ الدنيا والآخرة، وتتناول الضرورات والحاجات والمزايا الخارجة عنهما، فهو الرحيم المطلق حقًّا، والرحمة عبارة عن رقة مؤلمة تعتري الرحيم فتحركه إلى قضاء حاجة المرحوم، والرب تعالى منزه عنها، وذلك كمال في معنى الرحمة، فإن الرحيم عن رقة وتألم يكاد يريد بفعله دفع ألم الرقة عن نفسه، فيكون قد نظر لنفسه وسعى في غرض نفسه، وذلك ينقص عن كمال معنى الرحمة، وكمال الرحمة أن يكون نظره إلى المرحوم [لأجل المرحوم] لا لأجل استراحة نفسه من ألم الرقة، والعبد لما عرف أنه المنعم الحقيقي المُوْلي للنعم كلها عاجلها وآجلها وجب أن يتوجه بكليته إلى جناب رحمته، ويلتجئ فيما يعنُّ له من الحاجات إليه، ويشغل قلبه بالاستمداد به عن غيره، وهذا وجه التعلق بهذا الاسم والتخلق به: أن يرحم عباد اللَّه، وينظر إلى المعاصي بعين الرحمة دون الازدراء، ويجتهد في إزالة المنكر، ويسعى في سدّ خلة المحتاجين بقدر وسعه وطاقته عناية بهم وإرادة الخير لهم، فظهر بما ذكرنا أن التعلق والتخلق كليهما جاز في الأسماء، وهكذا نشير في سائر الأسماء وإن لم يذكر، فلا تنس أنت ذلك واعتبر، واللَّه الموفق، اللهم يا رحمن يا رحيم ارحمنا، وأفض علينا جلائل نعمك ولطائفها، واجعلنا متعلقين بذيل رحمتك، واجعلنا مظهر رحمتك لعبادك يا أرحم الراحمين.
وقوله:(الملك) ذو الملك والقدرة على التصرف في الأشياء بالإيجاد والإعدام
(١) "المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء اللَّه الحسنى" (ص: ٦٢ - ٦٣).