والإماتة والإحياء، وقالوا: هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود، ويَحتاج إليه كلُّ موجود، بل لا يستغني عنه شيء في شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في وجوده ولا في بقائه، فكل شيء سواه فهو له مملوك، وإليه محتاج، وهو مستغنٍ عن كل شيء، متفردٌ بتقديره وتدبيره، ليس لحكمه مرد فهو الملك المطلق، والملك أبلغ وأخص من المالك إذ كلُّ ملكٍ مالكٌ من غير عكس، فإذا عرف العبد أن ما سواه مفتقر إليه مسَخّر لحكمه وقضائه وجب أن يتعلق بجناب قدرته وتصرفه، ويستغني عن الناس رأسًا، ولا يُظهر احتياجه إليهم قطعًا، ولا يخاف ولا يرجو أحدًا سواه، والتخلق بهذا الاسم أن يتصرف في مملكة نفسه وقلبه وقالبه حتى يملك جوارحه وقواه كلها ويطيعونه.
قال الإمام الغزالي (١): فمن ملكها ولم تملكه، وأطاعته ولم يعطها، فقد نال درجة الملك في عالمه، فإن انضم إليه استغناؤه عن كل الناس، واحتاج الناس كلهم إليه في حياتهم العاجلة والآجلة، فهو الملك في عالم الأرض، وذلك رتبة الأنبياء صلوات اللَّه عليهم، فإنهم استغنوا في الهداية إلى الحياة الآخرة عن كل أحد إلا عن اللَّه تعالى، واحتاج إليهم كل أحد، ويليهم في هذا الملك العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وإنما ملكهم بقدر قدرتهم على إرشاد العباد، واستغنائهم عن الاسترشاد، قيل لبعض الشيوخ: أوصني فقال: كن ملكًا في الدنيا [تكن ملكا في] الآخرة، معناه: اقطع حاجتك وشهوتك عن الدنيا، فإن الملك في الحرية والاستغناء، انتهى.
اللهم يا مالك الملك تؤتي الملك من تشاء أعطنا من ملكك، وملّكنا في مملكتك، وارزقنا بقدرتك التصرف في نفوسنا وقلوبنا، وأعنّا حتى يطيعنا جميعُ جوارحنا وقوانا،
(١) "المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء اللَّه الحسنى" (ص: ٦٧).