واقطع حاجاتنا وشهواتنا عن الدنيا وما فيها، واجعلنا من ملوك الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير.
وقوله:(القدوس) من القدس، وهو الطهارة والنزاهة من سمات النقص ولوازم الحدوث، بل المنزه عن كل وصف يدركه حس، أو يتصوره خيال، أو يسبق إليه وهم، أو يحيط به عقل، أو يختلج به ضمير، أو يفضي به تفكير، وقال بعض العارفين: إن تنزيهه تعالى من العيوب والنقائص يكاد يقرب من سوء الأدب، فليس من الأدب أن يقول قائل: مَلِكُ البلد ليس بحائكٍ ولا حجام، بل يقول: هو منزه من كل وصف من أوصاف الكمال الذي يظنه الخلق كمالًا، فإنهم ما فهموا الكمال والنقص إلا من معرفة صفاتهم وأضدادها، فغاية ثنائهم على اللَّه سبحانه أن يصفوه بما عرفوا من معاني صفاتهم وينزّهوه عن أضدادها، واللَّه تعالى كما هو منزّه عن أوصاف نقصهم كذلك منزه عن أوصاف كمالهم، بل كل صفة يتصورها الخلق فهو مقدس عنها وعما يشبهها ويماثلها، ونصيب العبد من هذا الاسم أن يتحقق أنه لا يحق الوصول إلا بعد العروج من عالم الحسِّ والخروجِ عن الحظوظ الجسمانية، وتصفية القلب وتنزيه الباطن عن كل ما سوى الحق.
قال الإمام الغزالي (١): قُدُس العبد أن ينزه إرادته وعلمه، أما علمه فينزهه عن المتخيلات والمحسوسات والموهومات وكلِّ ما يشاركه فيها البهائم من الإدراك، ويكون تردّد نظره وتطواف فكره حول الأمور الإلهية الكلية المتعلقة بالمعلومات الأزلية الأبدية دون الشخصيات المتغيرة، ويقتني من العلوم ما لو سلبت آلة حسه وتخيله بقي ريَّانًا بالعلوم، وأما إرادته فينزهها عن أن تدور حول الحظوظ البشرية التي ترجع
(١) "المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء اللَّه الحسنى" (ص: ٦٨ - ٦٩).