فالبريء عن ظلمة العدم -بل عن إمكان العدم- المخرجُ كلَّ الأشباء من ظلمة العدم إلى ظهور الوجود جدير بأن يسمى نورًا، والوجود نور فائض على الأشياء كلها من نور ذاته، فهو نور السماوات والأرض، والذي أودعَ في قلوب الخاصة من عباده من أنوار الطاعات والأخلاق والمعارف، والتوحيد نورٌ على نور، يهدي اللَّه لنوره من يشاء، والتخلق به: أن يكون ظاهرًا متنوِّرًا بنور الإيمان والعرفان، ومُظْهِرًا لأحكام الدين، ومنوِّرًا للعالم بنور الإيقان، وكمال ذلك لمحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهو النور، ومعه النور، ومنه النور، فهو مطلع الأنوار ومجمع الأسرار، اللهم نوِّر قلوبنا بنوره، واجعلنا ظاهرين بظهوره.
وقوله:(الهادي) هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، والذي قدّر فهدى، كما هدى الطفلَ إلى التقام الثدي عند انفصاله، والفرخَ إلى التقاط الحبِّ وقت خروجه، والنحلَ إلى بناء بيته على شكل التسديس لكونه أوفق الأشكال له، وشرحُ ذلك يطول، والذي هدى خاصة عباده إلى سواء الطريق، وأطلع في طريقهم أنور التوفيق، وأحظى الناسِ بهذا الاسم الأنبياء والأولياء والعلماء الوارثون الذين هدوا الخلائق إلى الطريق القويم والصراط المستقيم، وهم مسخرون تحت قدرته وتدبيره الذي هداهم به إلى مصالحهم في الدنيا والدين، اللهم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
وقوله:(البديع) هو الذي لم يعهد مثله، فإنه لم يعهد بمثله لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فهو البديع المطلق، وليس ذلك إلا اللَّه سبحانه، وقد يجعل البديع بمعنى المبدع، وقد فسِّر بالمعنيين قولُه تعالى:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[البقرة: ١١٧]، وكل عبد اختص بخاصية من النبوة أو الولاية أو العلم بحيث لم يُعهد مثلها، أو أبدع