وقوله:(إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر اللَّه في اليوم مئة مرة) الغين: الغيم، وقيل: الغيم الرقيق، يقال: غِينتِ السماء تُغانُ: إذا أطبق عليها الغيم، ويقال: غين [على] كذا، أي: غُطِّي، وأغان الغينُ السماء، أي: ألبسها.
ولقد تحير العلماء في بيان معنى هذا الحديث وتأويله، وحق لهم أن يتحيروا ويتوقفوا في ذلك، فإنه لا مجال لأحد أن يعرف حقيقة القلب المصطفوي -صلى اللَّه عليه وسلم- وما يطرأ عليه من الأحوال، وكل ما قيل فيه فقول بالظن والتخمين، اللهم إلا ما وقع في بواطن بعض المحققين من العارفين من نوره المبين، واللَّه أعلم.
وننقل من كلامهم ما ذكروا في ذلك، فقيل: إن ذلك كان بسبب أمته وما اطَّلع عليه من أحوالهم بعده، فكان يستغفر لهم، هكذا قالوا.
وقيل: إنه بسبب [ما] يشتغل من النظر في أمور أمته ومصالحهم ومحاربة الأعداء، حتى يرى أنه قد شغل بذلك -وإن كان [في] أعظم طاعة وأشرف عبادة- عن ملازمة عالي مقاماته ورفيع درجاته لتفرده بربه وخلوص قلبه وهمته عن كل شيء سواه، وكان يَعُدُّ ذلك ذنبًا فيستغفر منه كما قالوا: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وقيل: قد يكون هذا الغين السكينةَ التي تغشى قلبه، واستغفاره إظهار للعبودية والافتقار، ويحتمل أن يكون حالة خشية وإعظام يغشى القلب، واستغفاره شكرًا للَّه وملازمة للعبودية، كما قال:(أفلا أكون عبدًا شكورًا) هذا حاصل ما ذكره القاضي عياض في (المشارق)(١).