للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال بعض الصوفية: هذا غين الأنوار لا غين الأغيار، وهو إشارة إلى ما ذكره بعض العارفين من أنه كان يكشف على قلبه الشريف في كل ساعة من أنوار صفات الحق، وكان يترقى في كل آن في هذه التجليات ويَعُدُّ بعد الترقي إلى درجة الفوق ما تحتها بمثابة ذنب يستغفر منه، وهكذا حال قلبه -صلى اللَّه عليه وسلم- دائما بل إلى أبد الآباد، وتلك الأنوار حجاب على الذات الأقدس الإلهي، وإليه الإشارة بقوله: (إن للَّه سبعين ألف حجاب من نور وظلمة).

وأرفع الكلام في هذا المقام ما قال الأصمعي حين سئل عن هذا الحديث فقال: عن قلب من تروي؟ فقال: عن قلب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: لو كان عن قلب غيره لكنت أفسره لك.

قال الشيخ التُّورِبِشْتِي (١): وللَّه دره في انتهاجه منهج الأدب، وإجلاله القلبَ الذي جعله اللَّه موقع وحيه ومنزل تنزيله، ثم قال: ونحن نذهب في ذلك مذهبين:

أحدهما: أن نقول: لما كان قلب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتمَّ القلوب صفاءً وأكثرها ضياءً وأعرفها عرفانًا، وكان معنيًّا مع ذلك بتشريع الملة وتأسيس السنة ميسِّرًا غير معسِّرٍ، لم يكن له بد من النزول إلى الرخص والالتفات إلى حظوظ النفس مع ما كان ممتحنًا به من أحكام البشرية، فكان إذا تعاطى شيئًا من ذلك أسرع كدورةٌ مّا إلى القلب لكمال رقته وفرط نورانيته؛ فإن الشيء كلّما كان أرقّ وأصفى كان ورود التأثيرات عليه أبين وأهدى، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا أحسّ بشيء من ذلك عدّه على النفس ذنبًا فاستغفر منه، ولهذا المعنى كان استغفاره عند خروجه من الخلاء فيقول: (غفرانك).


(١) "كتاب الميسر" (٢/ ٥٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>