والآخر: أن نقول: إن اللَّه تعالى كما فناه عن العالمين أراد أن يبقيه لهم لينتفعوا به، وأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لو تُرك وما هو عليه وفيه من الحضور والتجليات الإلهية لم يكن ليتفرغ لتعريف الجاحد وتعليم الجاهل، فاقتضت الحكمة الإلهية أن يرد إليهم الفينة بعد الفينة بنوع من الحَجْبة والاستتار ليكمل حظهم عنه، فيرى ذلك من سيئات حاله فيستغفر منه، هذا كلام التُّورِبِشْتِي. والوجه الأول راجع إلى ما ذكر سابقًا مع ما فيه من حسن التقرير، والوجه الثاني أيضًا موجَّهٌ، ومع ذلك القولُ قولُ الأصمعي، واللَّه أعلم.
٢٣٢٥ - [٣](عنه) قوله: (يا أيها الناس! توبوا) تلميح إلى قوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: ٣١]، فالتوبة واجبة على الناس كلّهم عامتهم وخاصتهم، ولكن توبة كل أحد على حسب حالهم.
وقال بعض العارفين: التائب أيضًا داخل في الجميع، فهو أيضًا مأمور بالتوبة، وليس لهم ذنوب يتوبون عنها لأنهم قد تابوا، فبقي أن يتوبوا عن التوبة، يعني: مِن ذكر الجفاء الذي يصحب التوبة؛ لأن التوبة لا تصح إلا بمعرفة الذنب، فهي تحتاج إلى ذكر الذنب، وذكر الجفاء في وقت الصفاء جفاء، فيتوب من ذكر التوبة التي هي سبب ذكر الذنب، وذلك لغاية حرصهم على الجمعية وصفاء الوقت مع اللَّه تعالى، كذا في (منازل السائرين)(١) وشرحه.