للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ الْيقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيْبَاتِ الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا، وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا،

ــ

وقوله: (وقوتنا) في بعض الروايات: (وقوانا).

وقوله: (واجعله الوارث منا)، ذكروا في تأويل هذا الحديث وجوهًا:

الأول: أن الضمير في (اجعله) للمصدر الذي هو الجعل، أي: اجعل جعلًا، وعلى هذا الوجه (الوارث) مفعول أول، و (منا) مفعول ثان، أي: اجعل الوارث من نسلنا لا كلالةً خارجة منا، والكلالة قرابة ليست من جهة الولادة، وهذا الوجه قد ذكره بعض النحاة في قولهم: إن المفعول المطلق قد يضمر، ولكن لا يتبادر إلى الفهم من اللفظ، ولا ينساق الذهن إليه كما لا يخفى.

والثاني: أن الضمير للتمتع الذي هو مدلول (مَتِّعْنا)، والمعنى: اجعل تمتعنا بها باقيًا مأثورًا فيمن بعدنا؛ لأن وارث المرء لا يكون إلا الذي يبقى بعده، فالمفعول الثاني (الوارث)، وهذا المعنى يشبه سؤال خليل الرحمن على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} [الشعراء: ٨٤].

وقيل: معنى وراثته دوامُه إلى يوم الحاجة إليه، يعني يوم القيامة، والأول أوجه؛ لأن الوارث إنما يكون باقيًا في الدنيا.

والثالث: أن الضمير للأسماع والأبصار والقوى بتأويل المذكور، ومثل هذا شائع في العبارات لا كثير تكلُّف فيها، وإنما التكلف فيما قيل: إن الضمير راجع إلى أحد المذكورات، ويدل ذلك على وجود الحكم في البواقي؛ لأن كل شيئين تقاربا في معنيهما فإن الدلالة على أحدهما دلالة على الآخر، والمعنيُّ بوراثتها: لزومها له إلى موته؛ لأن الوارث من يلزم إلى وقت موته.

<<  <  ج: ص:  >  >>