وقوله:(واجعله الوارث منا)، ذكروا في تأويل هذا الحديث وجوهًا:
الأول: أن الضمير في (اجعله) للمصدر الذي هو الجعل، أي: اجعل جعلًا، وعلى هذا الوجه (الوارث) مفعول أول، و (منا) مفعول ثان، أي: اجعل الوارث من نسلنا لا كلالةً خارجة منا، والكلالة قرابة ليست من جهة الولادة، وهذا الوجه قد ذكره بعض النحاة في قولهم: إن المفعول المطلق قد يضمر، ولكن لا يتبادر إلى الفهم من اللفظ، ولا ينساق الذهن إليه كما لا يخفى.
والثاني: أن الضمير للتمتع الذي هو مدلول (مَتِّعْنا)، والمعنى: اجعل تمتعنا بها باقيًا مأثورًا فيمن بعدنا؛ لأن وارث المرء لا يكون إلا الذي يبقى بعده، فالمفعول الثاني (الوارث)، وهذا المعنى يشبه سؤال خليل الرحمن على نبينا وعليه الصلاة والسلام:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}[الشعراء: ٨٤].
وقيل: معنى وراثته دوامُه إلى يوم الحاجة إليه، يعني يوم القيامة، والأول أوجه؛ لأن الوارث إنما يكون باقيًا في الدنيا.
والثالث: أن الضمير للأسماع والأبصار والقوى بتأويل المذكور، ومثل هذا شائع في العبارات لا كثير تكلُّف فيها، وإنما التكلف فيما قيل: إن الضمير راجع إلى أحد المذكورات، ويدل ذلك على وجود الحكم في البواقي؛ لأن كل شيئين تقاربا في معنيهما فإن الدلالة على أحدهما دلالة على الآخر، والمعنيُّ بوراثتها: لزومها له إلى موته؛ لأن الوارث من يلزم إلى وقت موته.