والقسمة، أو معنى الخلق، أو إقامة إنزال الأسباب فيها مقام إنزالها نفسها كما في قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ}[الحديد: ٢٥]، {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}[الزمر: ٦].
وأما قولهم: إنا قد عرفنا بالنصوص الثابتة أن الجنة وما احتوت عليه من الجواهر مباينة لما خلق في هذه الدار الفانية في الخواص وحُكمِ الزوال والفناء وإحاطة الآفات بها، فإن ذلك خَلْقُ الخالق محكما غير قابل لشيء من ذلك، وقد وجدنا الحجر أصابه الكسر حتى صار فلقًا، وذلك من أقوى أسباب الزوال.
فنقول: يمكن أن يكون فقدان خواص الجنة لنزوله إلى هذه الدار وسراية أحوالها وأحكامها إليه، ويستأنس له بما يأتي من حديث عبد اللَّه بن عمر:(أن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، طمس اللَّه نورهما, ولو لم يطمس اللَّه نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب)، وكما قالوا في الجواب عن قول الزائغين في كون ما بين قبر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومنبره روضة من رياض الجنة على تقدير كونه محمولًا على الحقيقة: أنه لو كان من الجنة لما نجوع ونظمأ فيها، وكما في عكس هذه الصورة من صعود بعض الأنبياء في السماء من عدم انحلال قواهم وفساد مزاجهم وتغير أحوالهم كما في الدنيا، فليكن ههنا كذلك، واللَّه على كل شيء قدير.
ومثل هذا الكلام في قوله:(أشد بياضًا فسودته خطايا بني آدم) بأن يكون في ابتداء نزوله أبيض، ثم جُعل لذنوب بني آدم ومس أيديهم خاصية وسببية في تسويده. وأما قول بعض الزائغين بأنه لو كان هذا الذي رووه من تسويد خطايا بني آدم الحجر واقعا لتناقلته الأمم في عجائب الأخبار، فساقط من درجة الاعتبار، ولا استبعاد فيه، نعم، لو قيل: المراد هو الظاهر، ولكن يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى مناسب،