ومما قيل في تأويل كونه من الجنة: إنه جعل لما فيه من اليمن والتبرك والشرف والكرامة كالشيء الذي نزل من الجنة، وأراد به مشاركته جواهر الجنة في بعض أوصافها، ومثله قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (العجوة من الجنة)، وقد علمنا أنه أراد به مشاركتها في أثمار الجنة في بعض الصفات، لِمَا جعل فيها من الشفاء والبركة بدعائه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك فيها, ولم يرد أنه من ثمار الجنة نفسها للاستحالة التي شاهدنا فيها كاستحالة غيرها من الأطعمة، وتحولها عن النعوت والصفات الواردة في ثمار الجنة، أو لأنه من حيث إنه مكفر للخطايا محاء للذنوب كأنه من الجنة.
وتأويل قوله:(نزل من الجنة) أي: الصفات الموهوبة لها كأنها من الجنة، قال اللَّه تعالى:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ}[الحديد: ٢٥]، وقوله:{وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}[الزمر: ٦]، فيحمل الإنزال على معنى القضاء والقسمة، أو على معنى الخلق، أو إقامة إنزال الأسباب فيها مقام إنزالها نفسها.
وتأويل قوله:(كان أشد بياضًا فسؤدته خطايا بني آدم) أنه من كثرة تحمله أوزار بني آدم صار كأنه ذو بياض شديد فسودته الخطايا، وإن خطايا بني آدم تكاد تؤثر في الجماد، فتجعل المبيضَّ منها مسودًّا، فكيف بقلوبهم، وهذا نوع من التمثيل والمبالغة في شأن الحجر، وتفظيع أمر الخطايا والذنوب، ففيه تخويف وتنبيه، فإن الرجل إذا علم أن الذنب يسوِّد الحجر خاف أن يَسْوَدّ بدنه بشؤم ذنوبه، ويذهب نور الإيمان, والعياذ باللَّه.
وهذا كله تأويلات وتمحلات من النفس ناشئة من ضيق دائرة الإيمان, ومَن