ثم اعلم: أن في هذا الحديث إشكالًا، وهو أنه لا يدرى أن تقصير رأسه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي أخبر به معاوية كان في الحج أو في العمرة؟ ولا يصح الحمل على الأول، لأن الحلق والتقصير من الحاج يكون بمنى لا عند المروة، وقد ثبت حلق رأسه في الحج، فتعين أن يكون في العمرة.
ثم في أيّ عمرة من عُمَره كان؟ لا يجوز أن يكون في العمرة الحكمية التي كانت بالحديبية؛ لأنه حلق يومئذ بالحديبية ولم يدخل مكة، ولم يسلم معاوية يومئذ، ولا يصح أن يحمل على عمرة القضاء؛ لأنه قد ثبت عن أهل العلم بالسير أن معاوية إنما أسلم عام الفتح، نعم قد يُنقل عنه نفسه أنه كان يقول: أسلمت عام القضية، لكن الصحيح أنه أسلم عام الفتح، وفي هذا النقل وهن، أو يحمل على عمرة الجعرانة، وكان في ذي القعدة عام الفتح، وذلك أيضًا لا يصح؛ لأنه قد جاء في بعض ألفاظ الصحيح:(وذلك في حجته)، وفي رواية النسائي بإسناد صحيح:(وذلك في أيام العشر)، وهذا إنما يكون في حجة الوداع، كذا في (المواهب اللدنية)(١)، فتعين حمله على عمرة حجة الوداع، وقد ثبت أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحل يومئذ ولا من كان معه هدي، وإنما أمر بحلِّ من لم يسق الهدي، نعم قد توهم بعض الناس أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- حجَّ متمتعًا، حلّ فيه من إحرامه، ثم أحرم يوم التروية بالحج مع سوق الهدي، وتمسكوا بهذا الحديث من معاوية، لكن الصواب أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يحلّ يومئذ.
وقد قالوا: إن الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أنكروا هذا القول على معاوية وغلطوه فيه، كما أنكروا على ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- في قوله:(إن إحدى عمره -صلى اللَّه عليه وسلم- كان في رجب)، وقالت