للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: ١٧٥٢].

ــ

عمر: (هكذا رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يفعله)، وقد عرفتَ أن معظم أركان الحج وأفعاله مما لا يدرك العقل معناه، قال الشيخ ابن الهمام (١): الرِّوايات متظافرة على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقف بعد رمي جمرة العقبة، ولا يدرك في تخصيص الوقوف والدعاء بالجمرتين غير هذه الجمرة وجه، وقد يتخيل أن في اليوم [الأول] كانت مشاغل كثيرة من الذبح والحلق والإفاضة إلى مكة، فلم يقف لوجود هذه المشاغل، ولكن هذا المعنى معدوم في الأيام الأخر، إلا أن يقال: جمرة العقبة وقعت في الطريق، فالوقوف فيها يوجب قطع الطريق على المار ويضيقها، وكان موجبًا لشدة ازدحام الواقفين والمارين، ومفضيان إلى لحوق ضرر عظيم بهم بخلاف باقي الجمرات، فإنها ليست في وسط الطريق بل على طرف منها، انتهى.

وقد يقال: إن الدعاء إنما يكون في صلب العبادة لا في انتهائها، والدعاء في صلب العبادة أفضل، وكان أكثر دعائه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الصلاة في التشهد قبل السلام، ورمي الجمرتين الأوليين كان في الوسط، فدعا فيهما، وبعد رمي جمرة العقبة قد انتهت العبادة، وإليه أشار في (الهداية) وذكره في (سفر السعادة).

وهذا كما ترى ضعيف، فقد شرع الدعاء بعد أداء الصلاة وإفطار الصوم، وقد جعل أحد أحوال الإجابة دبر الصلوات المكتوبة وعقيب تلاوة القرآن، والعبد الضعيف كاتب هذه السطور لما تشرف بهذه العبادة ألقي في رُوعه بلا سابقة فكر وتأمل بطريق الإلهام نكتة في عدم الوقوف عند هذه الجمرة، وأرجو أن يكون صوابًا، وهو أن في عدم وقوفه عندها إشارة من الرب الرحيم ورسوله الكريم أن العبد لما بلغ الجهد في


(١) "شرح فتح القدير" (٢/ ٤٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>