وقوله:(عند ربهما)، أي: في عالم آخر غير هذا العالم، وهو العالم العلوي الروحاني، وهو عالم الحقيقة حين التقت أرواحهما في السماء، أو أحياهما اللَّه تعالى، أو أحيا آدم في حياة موسى، كذا في (مجمع البحار)(١).
قد سبق أن وجود الأسباب لا ينافي التقدير، وكلاهما ثابت بل الكل تقدير، فموسى -عليه السلام- تكلم بمقتضى الظاهر وعالم الأسباب، وآدم -عليه السلام- نطق بالحقيقة وبالنظر إلى التقدير، وكلاهما حق؛ لأن هذه المحاجة كانت في عالم الحقيقة بعد اندفاع مواجب الكسب ورفع التكليف، لا في عالم الأسباب الذي لم يجز فيه قطع النظر عن الوسائط، وهذا الوجه يقتضي أن الأظهر أن يحمل هذه المكالمة بينهما في زمان حياة موسى بإحياء آدم في حياته أو إراءته بوجه آخر، ولهذا قال آدم -عليه السلام- في حياته:{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}[الأعراف: ٢٣]، وقيل: إنما احتج في خروجه من الجنة بأن اللَّه خلقه ليجعله خليفة في الأرض بهبوطه بسبب الذنب لا أنه نفى عن نفسه الذنب، فتدبر.
وقوله:(فيها تبيان كل شيء) أي: من الأحكام مما يحتاج إليه في الدعوة والرسالة.