وتوجه هذه الأسباب بحركاتها المتناسبة المحدودة المقدرة المحسوبة إلى المسببات الحادثة منها لحظة فلحظة قدره، فالحكم هو التدبير الأول الكلي والأمر الأول الذي كلمح البصر، والقضاء هو الوضع الكلي للأسباب الكلية الدائمة، والقدر هو توجيه الأسباب الكلية بحركاتها المقدرة المحسوبة إلى مسبباتها المعدودة بعدد معلوم لا يزيد ولا ينقص، ولذلك لا يخرج شيء من قضائه وقدره، انتهى.
فالقضاء والقدر كلاهما جاء بمعنى واحد، وبالمعنيين المتغايرين بالتعاكس، وموارد الاستعمال تصلح دليلًا على الكل، ولا محذور في ذلك.
وقوله:(فقال: لا بل شيء قضي عليهم) استشكل على هذا الجواب؛ أما على رواية (أم فيما يستقبلون به) فلأن جواب (أم) المتصلة إنما يكون بتعيين أحد الأمرين دون لا أو نعم، وقد يجاب بنفي كليهما لاحتمال الخطأ في اعتقاد المتكلم وجود أحدهما، وههنا ليس كذلك؛ لأن أحد الأمرين ثابت قط -صلى اللَّه عليه وسلم- والسؤال عن تعيينه، وأما على رواية (أو فيما يستقبلون) فلأن المقصود السؤال عن أحدهما واقع لا على التعيين، وهو حق لا يصلح للرد، وتوجيهه ما قال الطيبي (١): إن (أم) منقطعة و (أو) بمعنى بل، فنفى -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أثبته وقرره وأكده ببل، فافهم.
وقوله:(وتصديق ذلك في كتاب اللَّه عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}) [الشمس: ٧ - ٨] تسوية النفس: إنشاء خلقها على سواء من التدبير بحسب