تعالى:{وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} فمن شاء اللَّه هدايته وأصابه من ذلك النور قبله، واعتبر بالآيات واستدل بها بالنظر الصحيح اهتدى، ومن لم يشأ هدايته وحرم من ذلك النور ضل وارتدى، والمراد بإلقاء النور ما بيّن لهم من الحجج النيرة والآيات الباهرة، وإلى مثل هذا المعنى أشير بقوله تعالى:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}[النور: ٣٥] الآية، وقوله سبحانه:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا}[الأنعام: ١٢٢]، وقوله تعالى:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}[الزمر: ٢٢] ونحوها من الآيات، هذا حاصل كلام التُّورِبِشْتِي، والطيبي مع تنقيح ومحو وإثبات فيه.
قال الطيبي (١): ويمكن أن يحمل قوله: (خلقه) على خلق الذر المستخرج في الأزل من صلب آدم، وهذا كما يتراآى أي في بادئ النظر، ليس كما ينبغي لأنه إذ ذاك ظهر الإقرار وأثّرت الأنوار في الكل، فلا يناسب خلقهم في ظلمة وإصابته بعضًا وإخطاؤه آخرين على أن قوله:(في الأزل) ليس بصحيح؛ لأنه وقع بعد خلق آدم بنعمان وادٍ بعرفات، وهكذا وقع في عباراتهم بل واقع في أكثر الأذهان إلا أن يقال: إن ذلك الإقرار بطوع من البعض، وهم الذين ألقي عليهم نور الهداية، وبكره من بعضهم وهم المبقون في الظلمة والمخطؤون النور؛ لأن المراد بالأزل فيها زمان سابق على ظهور التوالد والتناسل بين بني آدم، والحق أن المراد من خلقه هو وقت الولادة من إلقاء النور هو زمان إظهار الشرائع وإعطاء التوفيق للاهتداء.