والعذاب كالنكال بناء ومعنًى، يقال: أعذب عن الشيء ونكل عنه: إذا أمسك عنه، وإنما سمي العذاب سواء كان عذابًا؛ لأنه يمسك الإنسان عن العصيان ويروعه عنه، أو يمسك عن النعمة والرحمة ويروعه عن ذلك، ومنه الماء العذب لأنه يقمع العطش ويروعه، والألم إن كان قادحًا أي ثقيلًا فعذاب سواء كان جزاء للعمل أو لا، رادعًا للجاني عن المعاودة أو لا، وإن كان جزاء فعقاب، وان كان رادعًا فنكال، فالعقاب أخص من العذاب، والنكال أخص من العقاب، والعذاب أعم منهما، والألم أعم من الكل.
وقيل: العذاب مشتق من العذبة، وهي القذاة، وماء ذو عذب أي: كثير القذى، فكما أن القذاة تنغض الماء كذلك العذاب ينغض العيش، وأيضًا يقال: أعذب حوضك أي: انزع ما فيه من القذى، فكذلك العذاب ينزع من الجاني ما فيه من الجناية، وقيل: من العذوبة؛ لأن عذاب كل أحد يستعذبه عدوه، فعذاب الكافرين مما يستعذبه المؤمنون.
والمراد بالقبر ههنا عالم البرزخ، وهو عالم بين الدنيا والآخرة له تعلق بكل منهما، وليس المراد به الحفرة التي يدفن فيها الميت، فرب ميت لا يدفن كالغريق والمحروق والمأكول في بطن الحيوانات يعذب وينعم ويسأل، وإنما خص العذاب بالذكر للاهتمام، ولا قائل بالفصل، ولأن العذاب أكثر لكثرة الكفار والعصاة، وقد يراد بعذاب القبر حال للعبد في البرزخ مطلقًا سواء كان تنعيمًا أو تعذيبًا، وصار اسمًا لتلك الحالة تغليبًا.
واختلف في أن الميت يعذب بإحيائه في القبر أو بجعل الروح في مقابلته أو بنوع آخر مما يعلمه اللَّه ولا نعلمه، والأظهر الأصوب أنه بالإحياء وإعادة الروح،