وهو ظاهر الأحاديث، ثم اختلف في كيفية الإحياء فقيل: إنه يعاد الروح في جملته، وقيل: في أقل جزء يحتمل الحياة والعقل، قال الحليمي: فإن صح فلا جزء أولى به من القلب الذي هو ينبوع الحياة ومحل العقل، وقيل: كل من مات وتفرقت أجزاؤه، فإن اللَّه يعلق روحه بجزئه الأصلي الباقي من أول عمره إلى آخره المستمر على حالتي النمو والذبول، لأن اللَّه تعالى عالم بها كلها حسب ما هو عليها، ويعلم مواقعها ومحالها كما في الحشر، والبينة عندنا ليست شرطًا للحياة، ويكفي في صحة الاعتقاد أن تعتقد أن الحق تعالى يحدث فيه الإدراك بأي وجه يريد، واللَّه أعلم.
ثم في تصديق عذاب القبر وأمثال هذا طرق متعدة ذكر الإمام الغزالي في (الإحياء)(١)، وقال: اعلم أن لك ههنا ثلاث مقامات في التصديق بأمثال هذا، أحدها: وهو الأظهر والأصح والأسلم: أن يصدق بأن الحية مثلًا موجودة في الخارج، وهي تلدغ الميت، ولكنا لا نشاهد ذلك، فإن هذه العين لا تصلح لمشاهدة الأمور الملكوتية، وكل ما يتعلق بالآخرة فهو من عالم الملكوت، أما ترى أن الصحابة كيف كانوا يؤمنون بنزول جبرئيل وما كانوا يشاهدونه ويؤمنون بأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- يشاهده، فإن كنت لا تؤمن بهذا فتصحيح الإيمان بالملائكة أهم عليك، وإن آمنت به وجوزت أن يشاهد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما لا تشاهده الأمة فكيف لا تجوز هذا في الميت؟
والمقام الثاني: أن تتذكر أمر النائم بأنه يرى في نومه حية تلدغه، وهو يتألم بذلك حتى تراه في نومه يصيح ويعوق جبينه، وقد ينزعج من مكانه، كل ذلك يدركه من نفسه ويتأذى به كما يتأذى اليقظان، وهو يشاهده وأنت ترى ظاهره ساكنًا ولا ترى