بهذا الحديث؛ لأن الرجل شكا من الوباء في تلك الأرض، فقال له -صلى اللَّه عليه وسلم-: (دعها عنك فإن من القرف التلف)، ولكن التمسك لا يتم لأنه شكا وتشاءم بها، فرخص له -صلى اللَّه عليه وسلم- نظرًا إلى ضعف حاله وخوفًا من وقوعه في ورطة الشرك الخفي في خروجه منها، وترك السكونة فيها؛ لأن الوباء وقع فيها، وبعد الوقوع جوز الفرار والخروج منها، وإنما الكلام فيه، والوظيفة في البلاء قبل وقوعه الاحترازُ والاجتنابُ، وبعد وقوعه الصبر والرضا والتضرع والدعاء بدليل ورود الأحاديث الصحيحة المذكورة في الصحيحين وغيرهما بالمنع والنهي عن الفرار، والحث والترغيب على الصبر والثبات، والحكم بالشهادة على ذلك، وهذا الحديث في (سنن أبي داود)، ولا يصادم أحاديث الصحيحين، وقالوا: إن فروة بن مسيك لم يرو عنه إلا حديث أو حديثان، وذلك أيضًا من رجل مجهول لا يعرف اسمه، وقد اختلف في يحيى بن عبد اللَّه بن يحيى أنه ثقة أم لا.
وقد يفرق بين الوباء والطاعون، وإن كان الصواب المراد في هذا المقام هو البلاء الشائع والموت الشائع كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي ذر:(وإياك والفرار عن الزحف، وإذا أصاب الناس موت وأنت فيهم فاثبت) كما مر في أول الكتاب في (باب الكبائر)، وشبه في حديث عائشة الفرار عن الطاعون بالفرار عن الزحف، وبالجملة الفرار عنه منهي عنه ومعصية، وإن اعتقد أنه على تقدير الصبر يموت، وبالفرار ينجو كفر وإلا كان عاصيًا، وقياسه على الخروج من بيت وقع فيه زلزلة أو وقعت نار فاسد لورود النص على خلافه، وأيضًا الهلاك في صورة الزلزلة والنار غالب فهو من الأسباب العادية، وفي الوباء مشكوك وموهوم، فهو من الأسباب الوهمية، وإن قالوا: إن الصبر عزيمة وتوكل أو الخروج رخصة ومباح.