وهو مخالفة النهي قبحًا آخر، فيكون النهي أشد، وهو مبالغة في التغليظ، والإلحاد في اللغة الميل، وقد غلب في الميل عن الحق، والمراد بالإلحاد في الحرم ارتكاب ما نهى عنه فيه من الجناية بل المعصية مطلقًا، فإن ارتكاب الذنب في الحرم أشد بل يضاعف على مذهب ابن عباس، ولهذا كان مذهبه كراهة الإقامة بمكة، ففي الإلحاد في الحرم ارتكاب مع زيادة هتك حرمته.
وقوله:(ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية) أي: طريقها التي من شعارها مثل النياحة وضرب الخدود وشق الجيوب والتطير، وأمثال ذلك، وهي منهي عنها، ففيه ارتكاب المنهي عنه مع قبح فعل ما هو من عادة الجاهلية من المسلم، وهي زائدة، والنهي عنه أشد من هذه الحيثية.
وقوله:(ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه) الذنب ههنا القتل، والزيادة قصد الإهراق، أي: قتل لمجرد غرض إهراق الدم لا لغرض من الأغراض، وقتل النفس قبيح وإن كان لغرض، لكن ارتكابه لمجرد إهراق الدم المذموم بالذات أقبح، كأنه قصد محض ما نهي عنه وذاته، فافهم. أو يقال: القتل بغير حق مذموم لكونه ظلمًا، وكونه ظلمًا خاصًّا متضمنًا هدم بُنيان الرب زيادة على مطلق الظلم، ثم الظاهر من الابتغاء والطلب المذكورين ارتكاب القتل، وإن حمل على الظاهر يكون فيه مبالغة من جهة أنه إذا ترتب على الطلب والتمني فكيف بالمباشرة.
وقوله:(ليهريق دمه)، أي: ليريقه من الإراقة بمعنى الصب، وقد سبق تحقيق هذه اللفظة في آخر الفصل الثالث من (كتاب الإيمان) من حديث عمرو بن عبسة [برقم: ٤٦]، فلا نعيده.