أن وظائف عبادته -صلى اللَّه عليه وسلم- تكون كثيرة لأنه أعبد الناس، ولم يتأنقوا النظر في الحال، أو قليله أكثر من كل كثير لكمال معرفته، وكمال قوة حضوره، وتمام إحسانه في العبادة، وذلك لوفور رحمته على الأمة وشفقته عليها، وأن فيه تعليم رعاية حقوق النفس والأهل والعيال، والاستقامة في رعاية الاعتدال، وإدامة العمل، والتكثير في العمل، والإفراط فيه ربما يفضي إلى العجب والفتور، ولقد أحسنوا في رعاية الأدب معه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث لم ينسبوه إلى التقصير فقالوا: إنه معصوم فيسعه أن يقلل في العبادة، وأما نحن فمحتاجون إلى مغفرة الذنوب، وقد غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وفيه وجوه كثيرة ذكرها السيوطي في رسالة مفردة، وأحسن الوجوه وأصوبها أنها كلمة تشريف للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من ربه غير أن يكون هناك ذنب، وأراد أن يستوعب في الآية على عبده جميع أنواع النعم الأخروية والدنيوية، والنعم الأخروية شيئان: سلبية وهي غفران الذنوب، وثبوتية وهي لا تتناهى، أشار إليها بقوله:{وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ}[الفتح: ٢]، والنعم الدنيوية شيئان: دينية أشار إليها بقوله: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا}[الفتح: ٢]، ودنيوية، وإن كانت ههنا المقصود بها الدين، وهي قوله تعالى:{وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}[الفتح: ٣]، فانتظم بذلك قدر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بإتمام أنواع نعم اللَّه تعالى عليه المعرفة على غيره، ولهذا جعل غاية الفتح المبين الذي عظمه بإسناده إليه بنون التعظيم وجعله خاصًا بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، انتهى.
وملخصه: إن هذه كلمة تشريف يشرف السيد عبده من غير أن يكون له ذنب يسنده إليه، فيقول: قد غفرت لك فما عليك مؤاخذة عندي، فكن مجموع الهم خليع العذار في خدمتي ومحبتي، فافهم، وباللَّه التوفيق.