أحدهما: أن المقصود هو النهي عن تسمية العنب أو شجره كرمًا، فإن العرب كانوا يسمونه كرمًا بسكون الراء لما أن شرب الخمر التي تحصل منه يورث الكرم والسخاوة فنهي عنه؛ لأن وصف ما هو أم الخبائث ومنشأ الآثام ورجس من عمل الشيطان ذريعة إلى مدح المحرمات، وتهييج للنفوس إليها وترغيب لها فيها، وقال: إن هذا الاسم إنما يليق بالمؤمن أو بقلبه لكونه معدن أنوار العلم والتقوى ومنبع الأسرار والمعارف، لأن لفظ الكرم شامل لجميع الخيرات والمكارم، قالوا: إذا وصفت أحدًا بالكرم فكأنك أثبتَّ له الخيرات والحسنات كلها.
وثانيهما: إنه ليس المقصود الأصلي من الحديث النهي عن التسمية، بل نهى عن تخصيص هذا الاسم به، والمراد تنبيه المؤمنين وتحريضهم على تحلية القلوب بالتقوى ومكارم الأخلاق ومحامد الصفات، وعلى أن لا يرضوا بأن يوسم هذا النوع من الأشجار باسم الكرم وهم أحقاء بذلك، فكأنه قال: تسمون العنب بالكرم وتخصونه به، وينبغي لكم أن تكونوا أصحاب هذا الاسم ومتصفين بهذه الصفة، وهذا حاصل ما ذكره الزمخشري أن المقصود من هذا الحديث تقرير قول اللَّه تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: ١٣]، وتأكيده بطريق أنيق ومسلك لطيف بأن المؤمن المتقي متأهل ومستحق بالاسم المشتق من الكرم، وهو الكريم.