زعم فلان إلا أن يكون على يقين من كذبه ويريد أن يجنب عن كذبه الناس ويحذرهم عن ذلك، فيجوز لمثل هذه المصلحة نسبة الزعم والكذب إلى أحد كما يفعله المحدثون وأمثالهم في الجرح والتعديل، ومناسبة هذا الحديث للباب لا تخلو عن خفاء، فكأن (زعموا) صار اسمًا لهذا الجنس من الخبر.
٤٧٧٨, ٤٧٧٩ - [٢٩، ٣٠](حذيفة) قوله: (لا تقولوا: ما شاء اللَّه وشاء فلان) لسوء الأدب وتوهم الإشراك، إذ مشيئة اللَّه تعالى هي المشيئة، لا يعتبر في جنبها مشيئة العبد، ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن.
وقوله:(ولكن قولوا: ما شاء اللَّه ثم شاء فلان) يعني إن كان لا بد تذكرون مشيئة العبد اعتبارًا لظاهر الأسباب العادية اذكروا ما يدل على تبعيتها وتأخرها عن مشيئة اللَّه في الرتبة، ولا تذكروها بحيث يدل على مساواتها لها، هذا في حق العامة، وأما في حق نفسه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلا يجوز إلا التوحيد، ونهى أن يقولوا:(ما شاء اللَّه وشاء محمد)، بل ينبغي أن يقولوا:(ما شاء اللَّه وحده)، وذلك لكونه في غاية العبودية الحقيقية والتواضع لجناب عزة اللَّه، ومستغرقًا في بحر التوحيد، وأيضًا لرفعة شأنه وعلو قدره يغلب توهم الإشراك فيه كما تقول العامة: ما فعل اللَّه ورسوله، ما شاء اللَّه ورسوله، كما يتوهم ذلك في الوزير مع الملك، {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي}[آل عمران: ٧٩].