للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. [جه: ٩٥].

ــ

وأما قوله: (وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) فأوله بعضهم بأن المراد رزق الآخرة، وهو ثوابها، وبعضهم حملوه على رزق الدنيا من المال والصحة، ثم استشكلوا ذلك لما يشاهد من حال الكفار والفساق في كثرة الأموال ووجود الصحة أكثر مما للصلحاء من المؤمنين، وأجابوا بأن المراد حرمان صفاء الوقت، وطيب العيش، وفراغ البال في الرزق الحاصل للمتقين بموجب قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: ٩٧] بخلاف أهل الفسق والفجور؛ فإن في عيشهم كدرة من جهة هَمّ الدنيا وتعلق القلب بتحصيلها وحفظها، والحزن على خوف فواتها كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: ١٢٤]، وإن كان مؤمنًا فكر في سوء عاقبة الذنب، وتكدر في صفاء رزقه وطيب عيشه.

وقيل: إن هذا مخصوص ببعض المذنبين من المسلمين ممن أراد اللَّه تعالى أن يدخله الجنة بلا عذاب يلحقه بذنبه في الآخرة، فيعاقبه بذنبه في الدنيا، بأن يصيبه عقيب ذنب ارتكبه فقر أو مرض أو ضيق أو غير ذلك، ثم يلهمه أن هذا بشؤم ذنبه، فيتنبه ويتوب عنه، أو من أراد اللَّه أن يرفع درجته في الآخرة فيعذبه بسبب ذنبه، فيصفيه من الذنوب في الدنيا.

والحاصل أن المؤمن إذا أذنب عاقبه اللَّه بحرمان الرزق، وهو عناية ولطف خفي من اللَّه في حقه؛ ليمحص ذنوبه ويرفع درجاته، وأما من لم يعنه ولم يلطف به فيتركه وذنوبه، وفيه مكر واستدراج منه تعالى، وقد كنت يومًا في خدمة شيخي وسيدي الشيخ موسى الحسني الجيلاني رحمة اللَّه عليه، فاتفق ذكر حديث: (الصُّبْحَة (١) تمنع


(١) وهي النوم أول النهار؛ لأنه وقت الذكر، ثم وقت طلب الكسب. "النهاية" (٣/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>