قالوا: هذا متعسر بل ممتنع، أي: غير واقع حصوله ولا يتصور فيما يعتاد الناس من مقتضيات طبائعهم، ولكن ينبغي أن يعلم أن الخير: خيران: خير الآخرة وخير الدنيا، أما خير الآخرة فهو النجاة من عذاب النار والفوز بدرجات الجنة وما يلزمهما من الإيمان والعمل الصالح، وخير الدنيا الأهل والأولاد والأسباب والأمتعة مما يكون وسيلة وواسطة لخير الآخرة، والمؤمن يحب هذا لنفسه ولجميع إخوانه المؤمنين، وأما من يريد لنفسه بتسويل الشيطان وشره النفس من المال والجاه مما يبعثه على الظلم والفساد والوبال والنكال ويحب ذلك فلا يحبه ويريده للمؤمنين، بل ينبغي أن لا يريده ويحبه لنفسه أيضًا، أو يكون رجل يكون المال في حقه سببًا للخيرات والجاه يكون باعثًا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويكون رجل آخر يبعثه ذلك على الفسق والطغيان والظلم والعتو، فلا ينبغي أن يريده لذلك الرجل كما يريده لنفسه، وبالجملة الذي يكون في نفس الآدمي ضيق وضنّة من إرادة المال والجاه والخيرات لأجل خوف لحوق منقصة ومذلة بنفسه، ولما كان المؤمنون كلهم على طريقة الخير والصلاح من جهة الدين والدنيا ارتفع ذلك الخوف، فالمؤمن يطلب أن يكون كلهم على تلك الطريقة متساويين في ذلك، وهذه الإرادة ميسر [ة] عند أهل الدين والإنصاف، فافهم، وباللَّه التوفيق.
٤٩٦٢ - [١٦](أبو هريرة) قوله: (واللَّه لا يؤمن) باللَّه، مكرر ثلاثًا، وفيه غاية التأكيد، ومع ذلك المراد نفي الإيمان الكامل، و (بواثقه) أي: غوائله وشروره، جمع بائقة، وهي الداهية.