للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال التُّورِبِشْتِي (١): أشار النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: (وإنما أنا قاسم) إلى ما يلقي إليهم من العلم والحكمة، وبقوله: (واللَّه يعطي) إلى فهم ما يهتدى به إلى خفيات العلوم في كلمات الكتاب والسنة، وذلك لأنه لما ذكر التفقه في الدين وما فيه من الخير أعلمهم أنه لم يفضل في قسمة ما أوحي إليه أحدًا من أمته على الآخر، بل هو سَوَّى في البلاغ وعدل في القسمة، وإنما التفاوت في الفهم، وهو واقع من طريق العطاء، ولقد كان بعض الصحابة يسمع الحديث فلا يفهم منه إلا الظاهر الجلي، ويسمعه آخر منهم أو من القرن الذي يليهم أو ممن أتى بعدهم فيستنبط منه مسائل كثيرة، وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء.

وقال الطيبي (٢): الواو في قوله: (وإنما أنا قاسم) للحال من فاعل (يفقهه)، أو من مفعوله، وإذا كان الثاني فالمعنى: إن اللَّه يعطي كلًّا ممن أراد أن يفقهه استعدادًا لدرك المعاني على ما قدره، ثم يلهمني بإلقاء ما هو اللائق باستعداد كل واحد، وعليه كلام القاضي، وإذا كان الأول فالمعنى أني ألقي على ما يسنح لي وأسوِّي فيه، ولا أرجح بعضهم على بعض، فاللَّه تعالى يوفق كلًّا منهم على ما أراد وشاء من العطاء، وعليه كلام التُّورِبِشْتِي، انتهى.

قال العبد الضعيف: المعنى الأول الذي عليه كلام القاضي يدل على تخصيص بعضهم بإلقاء بعض العلوم عليه لا على بعض آخر، وتفضيله عليه بذلك بناء على تفاوت الاستعدادات، فهذا ينظر إلى ما ذكرنا في معنى الحديث أولًا، والقسمة لا تقتضي


(١) "كتاب الميسر" (١/ ٩٨).
(٢) "شرح الطيبي" (١/ ٣٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>