وقوله:(وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء) هذا ترقي في وصفهم بإرادة أهل الخير له لشمول بركته إياهم، ولا مغايرة بين العالم وطالب العلم، فإن كل من طلب العلم وجد شيئًا من العلم، ويصدق عليه اسم العالم، والعالم يكون طالبًا للمزيد منه لعدم تناهي مراتبه، نعم إذا حصل الطالب علمًا ووصل إلى مرتبة التعليم في أنواع العلم يسمى عالمًا، فكأنه أشار إلى أن المرء ما دام في طلب العلم وتحصيله ترحمه وتتعطف عليه الملائكة إمدادًا وإعانة وإدخالًا لكنوز في قلبه حتى يسعى ويتقوى عليه سلوك طريق العلم؛ وإذا صار عالمًا وبلغ مرتبة التعليم تحيط بركته العالمين كلهم حتى يشكروا له ويريدوا به الخير ويدعوا له بمغفرة الذنوب المزيلة عنه البركات والأنوار الموجبة للنقمة وسخط الرب تعالى، كما ورد: اللهم إني أعوذ بك من الذنوب التي تزيل بها النعم، وتوجب بها النقم، حتى تكون البركات باقية دائمة في المزيد وتصل إليهم أجمعين.
وفيه أن العالم تغفر ذنوبه وتكفر سيئاته باستغفار من في السماوات ومن في الأرض، وكرر (من) إشارة إلى استقلال كل من الفريقين في الاستغفار وإرادة الخير، ثم قالوا: إن المراد بمن في السماوات الملائكة بأصنافهم، وبمن في الأرض الثقلان، والحيتان إشارة إلى جميع أنواع الحيوان، لكن خصص الحيتان بالذكر دلالة على أن إنزال المطر والخصب يكون ببركتهم كما ورد:(بهم يمطرون وبهم يرزقون).
ويمكن أن يقال: المراد بـ (من في الأرض) ما يشمل ذوي العلم وغيرهم، لكنه عبر بـ (من) للعقلاء على غيرهم، أو لأنه لما أسند الاستغفار إليهم صاروا في حكم أولي العلم، فيكون (من في الأرض) عامًا، وذكر الحيتان تخصيص بعد التعميم.