وقوله:(وأرسلت إلى الخلق كافة) قيل: لم يكن في زمن نوح عليه السلام نبي فيكون مبعوثًا إلى أهل ذلك الزمان كافة، وأيضًا دعا على جميع من في الأرض بإهلاكهم بالغرق، وهو دليل على أنه كان مبعوثًا إليهم، ولم يمتثلوا أمره، وسليمان عليه السلام كان يسير في الأرض، ويأمر الناس بالإسلام كالبلقيس وغيرها، ويهددهم بالقتال، وذلك دليل على عموم الرسالة، وأجيب بأن عموم رسالة نوح لم يكن من أصل البعثة بل إنما اتفق بالحادث، وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس، وأما دعاؤه على جميع من في الأرض فمن جهة أن دعوته قومه إلى التوحيد بلغ سائر الناس بطول مدته، فتمادوا على الشرك فاستحقوا العذاب، ذكره ابن عطية.
وقال ابن دقيق العيد: يجوز أن يكون التوحيد عامًّا في بعض الأنبياء، والتزام فروع شريعته لم يكن عامًّا، ويحتمل أنه لم يكن في الأرض عند إرساله إلا قومه، فبعثته خاصة بهم لكونها إلى قومه، وهي عامة في الصورة لعدم وجود غيرهم، ولكن إن اتفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثًا إليهم.
ونقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام في الحديث عن الإشكال بحال سليمان أنه قال: معنى الرسالة خاصة، أي: في الواجبات والمحرمات، أما في المندوبات فهم مأمورون بها، وأما التهديد بالقتال الذي هو من خصائص الواجب في بادي الرأي فلا نقول: إنه من خصائصه بل العقاب في الدار الآخرة، كذا نقل عن السيوطي في حاشيته على النسائي (١).
وقيل: يحتمل أن يقال: إن تهديد بلقيس وقتاله مع الناس على التوحيد لأجل