وهي هنا إما باتصافه -صلى اللَّه عليه وسلم- بصفة الملَكية وغلبة الروحانية، وهو النوع الأول، وإما باتصاف جبرئيل بوصف البشرية، وهو النوع الثاني، والأول أشد على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لغاية تصرف جبرئيل فيه بخلعه عن صفة البشرية وإلباسه لباس الملكية، هذا إذا كان الصلصلة محمولًا على أنه وحي وكلام الملك كما هو الظاهر من الحديث، وأما إذا حمل على أنه صوت حفيف أجنحة الملك فالحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي، فلا يبقى فيه مكان لغيره، فمعنى كونه أشد لتجمع قلبه، فيكون أوعى لما سمع، كذا في (فتح الباري)(١)، ولعله أراد كونه أشد تعلقًا بقلبه حفظًا له، واللَّه أعلم.
وقوله:(فيفصم عني) بفتح الياء وسكون الفاء وكسر المهملة، أي: يقلع ويتجلى ما يغشاني، وروي بضم أوله من المزيد بمعنى صار ذا فصم، وفي رواية لأبي ذر بضم أوله وفتح الصاد على البناء للمجهول، والفصم: القطع، فصمه يفصمه: كسره فانفصم، ولكن الفصم بالفاء: القطع من غير إبانة، وبالقاف: القطع بإبانة، فذكر الفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود لبقاء الجامع بينهما.
وقوله:(وقد وعيت) أي: حفظت (عنه ما قال) جملة حالية.
وقوله:(يتمثل لي الملك) أي: يتشكل بشكل البشر.
وقوله:(فيكلمني) وفي رواية: (فيعلمني)، وقيل: هذا تصحيف، والصحيح