والتحقيق أنه وقع مرة واحدة في اليقظة بجسده الشريف من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم إلى السماء، ثم إلى ما شاء اللَّه إلى آخر القضية، وإليه ذهب الجمهور من الفقهاء والمتكلمين وأهل التحقيق من الصوفية، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة من حديث أنس وأبي بن كعب وجابر بن عبد اللَّه وبريدة وسمرة بن جندب وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وحذيفة بن اليمان وشداد بن أوس وصهيب وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب ومالك بن صعصعة وأبي أمامة وأبي أيوب ودحية وأبي ذر وأبي سعيد الخدري وأبي سفيان بن حرب وأبي هريرة وعائشة الصديقة وأسماء بنت أبي بكر وأم هانئ وأم سلمة وغيرهم.
وتمسك القائلون بأنه في المنام مع اتفاقهم على أن رؤيا الأنبياء وحي بقوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ}[الإسراء: ٦٠]، قالوا: المراد به المعراج، والرؤيا هي الحلمية، وأما البصرية فالرؤية بالتاء، أجيب بأن الرؤيا والرؤية واحدة كقربى وقربة، وعند البخاري عن ابن عباس، قال: هي رؤيا عين أريها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة أسري به (١)، وقال المتنبي:
ورؤياك أحلى في العيون من الغمض
ومن خطأه فهو مخطئ على أن للمفسرين خلافًا في المراد بهذه الرؤيا، فقيل: هي رؤيا عام الحديبية حين رأى أنه دخل مكة فصده المشركون وافتتن بذلك ناس، وقيل: رؤيا وقعة بدر لقوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا}[الأنفال: ٤٣]، وقيل: رأى قومًا من بني أمية يرقون منبره وينزون عليه نزو القرد، فقال: هو حظهم من