الدنيا يعطون بإسلامهم، وقد يقال. إنها رؤية عين، وإنما عبر عنها بالرؤيا لوقوعها بالليل وسرعة نقضها كأنها منام، ويقال: تسميتها رؤيا على وجه التشبيه والاستعارة لما فيها من الخوارق التي هي بالمنام أليق في مجاري العادات، ويقال: تسميتها على قول المكذبين حيث قالوا: لعلها رؤيا رأيتها، وتمسكوا أيضًا بقول عائشة: ما فقد جسد محمد ليلة المعراج، وأجيب بأن عائشة لم تحدث به عن مشاهدة؛ لأنها لم تكن إذ ذاك زوجًا ولا في سن من يضبط، أو لم تكن ولدت بعد على الخلاف في سنة الإسراء، أو المراد ما فقد جسده الشريف عن الروح بل كان مع روحه، وكان المعراج للجسد والروح جميعًا، ونقل عن بعض الصوفية أنه كان له -صلى اللَّه عليه وسلم- أربعة وثلاثين مرة، والذي أسري به منها إسراء واحد بجسمه، والباقي بروحه.
وقال في (المواهب)(١): القول بتعدد وقوعه محض احتمال، ولم يثبت ذلك بالروايات ولم ينقل عن أحد من السلف المتقدمين، وحجة الجمهور في أن الإسراء كان في اليقظة بالجسد قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}[الإسراء: ١]، فإن العبد اسم للروح والجسد، كما في قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [العلق: ٩ - ١٠] وقوله سبحانه: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}[الجن: ١٩] فكذا هنا، وقوله:{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}[الإسراء: ١] لأن الرؤية إنما تكون في اليقظة بالجسد، ولا شك أن ظاهر قوله:{أَسْرَى} أن يحمل على اليقظة حتى يدل دليل على خلافه، بل تصدير الكلام بالتسبيح الدال على التعجب تعظيم قدرة اللَّه تعالى، والتمدح بتشريف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وإظهار الكرامة له بالإسراء مما يدل عليه أيضًا.