وهذا الحديث رواه أصحاب الكتب الستة، وقال أبو أيوب: قدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فننحرف عنها ونستغفر اللَّه، وإنما استغفر مع الانحراف عنها؛ لأنه اعتقد أنه منكر فاستغفر من رؤيته، وترك التشدد في تغييره.
وقال التُّورِبِشْتِي (١): والنظر يقتضي التسوية بين الصحارى والأبنية؛ لأنا لم نجد للنهي وجهًا سوى احترام القبلة، ككراهة مواجهة تلك الجهة بالبزاق والنخامة ومد الرجل.
وتمسك الشافعي بحديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: ارتقيت فوق بيت حفصة لبعض حاجتي فرأيت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام.
وأجيب عنه بأنه يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي، ويحتمل أنه قد انحرف عن سمت القبلة شيئًا يسيرًا بحيث خفي على ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- لأنه لم يتعمق في ذلك ولم يكن المقام مقامه.
وقال التُّورِبِشْتِي: وقد جاء في بعض طرق الصحاح أن ابن عمر قال: يقول ناس: إذا قعدت للحاجة فلا تقعد مستقبل القبلة ولا بيت المقدس، ولقد ارتقيت على ظهر بيت حفصة -رضي اللَّه عنها- فرأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مستقبلًا بيت المقدس لحاجته، فليس استدبار القبلة مذكورًا فيه، وإنما أنكر على من قال بالنهي عن استقبال بيت المقدس، انتهى.
فإن قلت: إذا كان مستقبلًا لبيت المقدس فقد يستدبر الكعبة ضرورة لأنهما متسامتان في المدينة؛ لأن المدينة متوسطة بين مكة وبيت المقدس، وكلاهما في ناحية الشمال من مكة كما يرى ذلك في مسجد القبلتين الذي نسخت فيه قبلة بيت المقدس، بني محراب كل منهما مسامتًا للآخر.