فنقول وباللَّه التوفيق وعلى فضله التعويل: اعلم أنه قد اختلفت الأمة في غسل الرجلين ومسحهما، فذهب داود بن علي الظاهري إلى أنه يجب المسح، والغسل احتياطًا؛ لأن الكتاب ورد بهما، وروي عن الحسن البصري وعن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري التخيير بينهما، وذهب قوم إلى فرضية مسح ظاهر القدمين ووجوب الابتداء من الأصابع والانتهاء إلى الكعبين عملًا بظاهر أخبار المسح وإن كانت ضعيفة مع قلتها وبظاهر قراءة خفض:{وَأَرْجُلَكُمْ}[المائدة: ٦]، وفي القراءة بالنصب معطوفة على محل رؤوسكم عطفًا على الأقرب، ولأن هذه الواو قد تكون بمعنى مع، وهي تنصب نحو: استوى الماء والخشبة حملًا لما يحتمل وجهين على ما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا دفعًا للتعارض، وقالوا: أخبار المسح والغسل في هذا الباب آحاد، فلا تقبل على مخالفة ظاهر الكتاب، والصحيح ما ذهب إليه عامة العلماء، ولهم في إثبات فرضية غسل الرجلين ثلاثة طرق.
الأول: وإليه ذهب من أصحابنا الإمام أبو جعفر الطحاوي: أن السبيل في القراءتين كالسبيل في الآيتين، وقد تعارضتا فوجب المصير إلى السنة.
وقد اشتهرت الأخبار المتواترة معنى المخرجة في الأصول الستة وغيرها برواية عثمان وعلي وعبد اللَّه بن زيد بن عاصم حاكي وضوء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنس وجابر وأبي هريرة وعبد اللَّه بن عمر وغيرهم -رضي اللَّه عنهم- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غسل قدميه في وضوئه للصلاة إذا كانتا باديتين وأمر بذلك، وأوعد على تركه، وهي علامة الوجوب كذا في (شرح السنة)(١)، وفي تعداد تلك الأخبار تطويل، ولكن علينا أن نذكر بعضها تيمنًا وإلزامًا للحجة، فقد جاء في روايات أبي داود والترمذي والنسائي عن عبد خير وزر بن حبيش