ولما شرعت فيه كان يظهر لي في أثناء المطالعة والنظر في شروح الكتاب معان ونكات لا يليق إدراجها في الشرح الفارسي، ولا يتيسر فهمها لبعض الأصحاب، وقد كانت تلك المعاني مما لا ينبغي أن يضيع ويهمل، وكانت مما يعدُّ من الغنائم ويؤخذ ويحمل، وقع في الخاطر أن لو وُضعَ شرحٌ باللسان العربي أيضًا لكان أولى وأنسب بالحال، وأقضى للمآب لأهل الفضل والكمال، ولكن كنت مدة مترددًا ومتحيرًا في ذلك لقلة البضاعة، وقصر الباع في هذه الصناعة، وضعف البينة، وقصور الهمة، وتعسر البلوغ إلى تلك النهمة، وأنّى لمثلي سلوك مثل هذا الطريق، والوصول إلى مقام التحقيق والتدقيق، ولكن اللَّه إذا أراد بعبد خيرًا سَهَّل له في طريقه، وأعانه بفضله، ويَسّر له الأمر بتوفيقه، ومن خرج له توقيعُ السعادة، جاءه المطلوب على حسب الإرادة، وقد سبقت العناية إلى المتخلف العاجز، فألحقه بمحض الفضل بالواصل الفائز، تلك قسمة أزلية، وموهبة سماوية، ولمحة ربانيّة، ونفحة صَمدانية، لا مانع لما أعطى، ولا مُعطي لما منع، إنه جواد كريم، ملك برّ رؤف وحيم، فانفسح القلب، وانشرح الصدر، وتصمم العزم، واتضح الأمر.
فشرعت فيه أيضًا مستعينًا باللَّه، وسائلًا من فضله القديم، وكرمه العصم، أن يسهّل لذلك أيضًا التكميل والتتميم، فكانا يمشيان متقاربين متلاحقين، أو متسابقين، فتارة يسبق الفارسي لكونه سابقًا في الشروع، ويلحقه العربي لكونه حاويًا على الأصول والفروع، وأخرى يغلبه العربي لعلو درجته، ورفعة مرتبته، ولِمَا كان في الطبع إليه من الميلان، لمناسبته بأذهان كثير من الإخوان، فسبق العربي كالفرس الجواد، وأُبدع بي في سير الفارسي كما شاء اللَّه أو أراد، فتمّ العربي على الوجه المرجو والطريق المرغوب، والحمد للَّه معطي السؤال ومحصل المطلوب.