الصبح: إذا انكشف وأضاء وتنوّر، وأسفر الرجل: دخل وقت الإسفار، وقد عرفت معناه في قوله:(أعتموا بهذه الصلاة)، ثم الظاهر المتبادر من هذه العبارة أن يبتدؤوا في صلاة الفجر وقت الأسفار، وما قيل في معناه: إن المراد إتمامها، فيه تأويل وتكلف، وحدّ الإسفار والتنوير على ما قال السُّغناقي نقلًا عن شمس الأئمة والقاضي الإمام أبي علي النسفي: أنه يبدأ الصلاة بعد انتشار البياض في وقت لو صلى الفجر بقراءة مسنونة ما بين أربعين آية إلى ستين أو أكثر ويرتل القراءة، فإذا فرغ من الصلاة لو ظهر له سهو في طهارته يمكنه أن يتوضأ ويعيد الصلاة قبل طلوع الشمس، كما فعل أبو بكر وعمر -رضي اللَّه عنهما-، كذا في (فتاوى قاضيخان)(١)، انتهى. بل بحيث لو ظهر فساد صلاته أن يعيدها في الوقت بقراءة مستحبة كما قيل.
ومذهب الشافعي رحمة اللَّه عليه التغليس، وأوَّلَ أصحابه الحديث بأن المراد: أخروا صلاة الفجر إلى أن يتحقق طلوع الفجر، ولا تبادروا عند ظن طلوعه، فإن ذلك أعظم لأجوركم، إذ الصلاة بعد تيقن دخول الوقت أفضل منها عند ظنه، وفيه بعدٌ؛ لأن الظاهر المتبادر من قوله:(فإنه أعظم للأجر) أن يكون ذلك لخصوصيته في الإسفار، لا لأجل تحقق الوقت فإنه عام لوقت كل صلاة، فإنه لما لم يتبين الوقت لا يحكم بجواز الصلاة، فالظاهر على تقدير هذا التعليل أن يقال: فإنه لا تصح الصلاة بدونه، وهذا أظهر من أن يخفى، وقد يقال: يحتمل أنهم حين أمرهم بتغليس الفجر كانوا يصلونها عند الفجر الأول حرصًا عليه فقال: أسفروا، أي: أخِّروها إلى الفجر الثاني.