ومنهم من جعلها مُرَتَّبة حسب موضوعاتها وأبوابها، كما فعل الإمامُ مالكُ بن أنس في "موطئه"، وجاء بعده من حذا حَذْوَه، ونحا نحوه مِن كبار الحفاظ والمحدثين، وفي مقدمتهم إمامُ الصنعةِ أميرُ المؤمنين في الحديث البخاريُّ، وتلميذُه الإمام مسلم صاحبا "الصحيحين"، ثم أصحابُ السنن: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (١).
وقد اشتملت هذه الكتبُ الستة على أحكام الإسلامِ وآدابه وشرائعه وتوجيهاته، وهذا ما يُفَسِّر لنا العنايةَ الكبرى، والحفاوةَ البالغةَ التي لقيتْها هذه الكتبُ، فقد تلقاها العلماءُ بالقبول، واعتنى بها المحدثون والفقهاءُ طبقةً بعدَ طبقة، واشتهرت فيما بينَ الناس، وتعلَّق بها القومُ شرحًا لِغريبها، وفحصًا عن رجالها، واستنباطًا لفقهها، وجمعًا لمتونها، وتهذيبًا لها.
على أن للصحيحين مِن المزايا ما ليسَ لِغيرِهما من السنن الأربعة، فالبخاري ومسلم لم يُثْبتا في كتابيهما من الأحاديث إلا ما جزما بصحته، وثبت عندهما نقلُهُ، ولم يشترط ذلك أصحابُ السنن، وإن كانوا في الأغلب - عدا ابن ماجه - قد أشارُوا إلى كثير مِن العِلَلِ التي اعتوَرت بعضَ الأسانيدِ عندهم، وكلُّ واحدٍ من هؤلاء الأئمة كان له مقصدٌ في تصنيفه، ومنهجٌ في تأليفه، وغرضٌ
(١) ومنهم من رتبها بطريقة المعجم وغيرها، انظر بسط ذلك في كتاب "الحِطَّة في ذكر الصحاح الستة" لصديق حسن خان ص ١١٨ - ١٢٨.