للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ونقل القاسمي (١) عن الإمام أبي حنيفة أنه دخل عليه مرةً رجلٌ مِنْ أهل الكوفة، والحديثُ يُقرأ عنده، فقال الرجل: دعونا مِن هذه الأحاديث، فزجره الإمامُ أشدً الزجر، وقال له: لولا السنةُ ما فَهِمَ أحدٌ منا القرآن. ثم قال للرجل: ما تقولُ في لحمِ القِردِ وأين دليلُه من القرآن؟ فأُفحم الرجل.

ولما كانت السنةُ للقرآن بهذه المرتبة، فقد هيأ الله تعالى لحِفظها كما حفظ كتابه، حيث نهض الصحابةُ ومَن بعدهم من التابعين وأتباعهم بتبليغها وإذاعتها، وروايتها وحفظها وتدوينها، واستفرغوا الوُسْعَ في ذلك، وتشهدُ تراجمُهُم بعظيمِ الجُهد الذي بذلوه، فَمِنْ راحلٍ لسماعِها، ومنتصبٍ لروايتها، وعاكفٍ على تدوينها والتصنيفِ فيها، حتى استطاعوا استيعابَها، ولمَّ شملِها، وجمْعَ شتاتها، والإحاطةَ بها، حتى إنه ليصحُّ لنا القولُ: إنهم لم يَفُتْهُم من حديث رسول الله حديثٌ واحد.

وقد ذهبوا في مرحلهِ تدوينها وتصنيفها مذاهبَ شتى، كُلٌّ حسبَ الغاية التي تَغَيَّاها منها، فمنهم من رتَّبها حسبَ المسانيد، وذلك بذكر أحاديثِ كلِّ صحابي على حِدَة، وأشهرُ هذه المسانيد "مسندُ" الإمام أحمد بن حنبل ، الذي شرَّفنا الله تعالى بخدمته وتحقيقه، وبسطْنا القولَ في هذا النوع من التأليف في مقدِّمتنا له.


(١) في "قواعد التحديث" ص ٣٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>