فأرسلَ إلى حَفصَةَ أن أرسِلِي إلينا بالصُّحُفِ نَنسَخُها في المصاحفِ ثُمَّ نَرُدُّها إليكِ، فأرسَلَتْ حَفصَةُ إلى عثمانَ بالصُّحُفِ، فأرْسَلَ عُثمانُ إلى زيدِ بنِ ثابتٍ وسعيدِ بنِ العاصِ وعبدِ الرحمنِ بنِ الحارِثِ بنِ هشامٍ وعبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ: أن انْسَخُوا الصُّحُفَ في المصاحفِ، وقال لِلرَّهْطِ القُرَشيِّينَ الثلاثةِ: ما اختَلَفتُم أنتُم وزيدُ بنُ ثابِتٍ فاكتُبُوه بِلِسَانِ قُرَيشٍ، فإنَّما نزلَ بِلِسانِهِم، حتَّى نَسَخُوا الصُّحُفَ في المصاحفِ، بَعَثَ عثمانُ إلى كُلَّ أُفُقٍ بِمُصحَفٍ من تِلكَ المصاحفِ التي نَسَخُوا.
قال الزُّهْريُّ: وحدَّثني خارِجَةُ بنُ زيدِ بنِ ثابتٍ، أنَّ زيدَ بنَ ثابتٍ قال: فَقَدْتُ آيةً من سورةِ الأحزابِ كنتُ أسْمَعُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقْرؤُها ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] فالتَمَسْتُها فوجَدْتُها مع خُزَيمَةَ بنِ ثابتٍ أو أبي خُزَيمَةَ فألحَقْتُها في سورتِها (١).
قال الزُّهرَيُّ: فاختَلَفُوا يومئذٍ في التَّابوتِ والتَّابوهِ، فقال: القُرَشِيُّونَ: التَّابوتُ، وقال زيدٌ: التَّابُوهُ، فَرُفعَ اختِلافُهُم إلى عثمانَ، فقال: اكتُبُوه التَّابُوتَ، فإنَّهُ نَزَلَ بلسانِ قُرَيشٍ.
(١) أي: لم يجدها مكتوبة عند أحد إلا عند خزيمة، فالذي انفرد به خزيمة هو كتابتها، لا حفظها، وليست الكتابة شرطًا في المتواتر، بل المشروط فيه أن يرويه جمع يُؤمن تواطؤُهم على الكذب، ولو لم يكتبه واحد منهم. انظر "الفتح" ٩/ ١٥.