وروى محمد أيضًا عن أبي حنيفةَ وأبي يوسفَ أنه إلى الحرام أقربُ.
وقد قال في "الجامع الكبير": يُكره الشربُ في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء، ومرادُه التحريم، وكذلك قال أبو يوسف ومحمد: يكره النومُ على فراش الحرير والتوسُّد على وسائده، ومرادُهما التحريم.
وأما أصحابُ مالك، فالمكروه عندهم مرتبة بينَ الحرام والمباح، ولا يُطلقون عليه اسمَ الجوازِ، ويقولون: إن أكل كلّ ذي ناب من السَّبُعِ مكروه غيرُ مباح.
وقد قال مالك في كثير من أجوبته: أكره كذا وهو حرام.
وقد نص الشافعيُّ على كراهة تزوج الرجل من بنته من ماء الزنى ولم يقل قطُّ: إنه مباح ولا جائز، والذي يليقُ بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أجلَّه الله به مِن الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم، وأطلق لفظ الكراهة، لأن الحرام يكرهه اللهُ ورسولُه، وقد قال الله سبحانه عقيبَ ذكر ما حرمه مِن المحرمات مِن عند قوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣] إلى قوله: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾ [الإسراء: ٣٢] إلى قوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الإسراء: ٣٣] إلى قوله ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾ [الإسراء: ٣٤] إلى قوله: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦] إلى آخر الآيات، ثم قال: ﴿كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ [الإسراء: ٣٨].