فالبخاري ﵀ لم يَحْكُمْ فيه بالاتصال مِن أجلِ كون الوصل زيادة، وإنما حَكَم للاتصال لمعانٍ أخرى رَجَّحَتْ عنده حُكْمَ الموصولِ، منها أن يونسَ بنَ أبي إسحاق وابنه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولًا، ولا شَكَّ أن آل الرجل أخصُّ به مِن غيرهم، وقد وافقهم على ذلك أبو عَوانة، وشريك النخعي، وزهير بن أميّة، وتمامُ العشرة من أصحاب أبي إسحاق مع اختلاف مجالسهم في الأخذ عنه، وسماعهم إياه من لفظه. وأما رواية من أرسله - وهما شعبةُ وسفيانُ - فإنما أخذاه عن أبي إسحاق في مجلس واحد … ولا يخفى رجحانُ ما أخذ من لفظ المحدث في مجالِسَ متعددة على ما أُخذ عنه عرضًا في محل واحد. هذا إذا قلنا: حفظ سفيانُ وشعبة في مقابل عدد الآخرين مع أن الشافعي يقول: العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد. فتبين أن ترجيحَ البخاري وَصْلَ هذا الحديثِ على إرساله لم يكن لِمُجَرَّدِ أن الواصلَ معه زيادة ليست مع المرسل، بل بما ظهر مِن قرائنِ الترجيح.
ويزيد ذلك ظهورًا تقديمُه للإرسال في مواضع أخرى، مثاله: ما رواه الثوري عن محمد بن أبي بكر بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أم سلمة، قالت إن النبي ﷺ قال لها:"إن شئتِ سبَّعتُ لك" ورواه مالك عن عبيد الله بن أبي بكر بن الحارث أن النبي ﷺ قالَ لأم سلمة … قال البخاري في "تاريخه": الصواب قول مالك مع إرساله. فصوَّب الإرسال هنا