أن يقولوا: الأفضلية لا تنحصر في مضاعفة الثواب، هب أن الصلاة بالمسجد الحرام مضاعفة، ولكن أنواع الكرامات والبركات من محبة اللَّه ورسوله ومنافع الإسلام وأهله مخصوصة بالمدينة، وأيضًا المضاعفة هي كثرة الكمية، ويحتمل أن الكيفية من البركة والعظمة تكون أعظم وأرجح في المدينة، وكثرة الكمية لا تستلزم الأفضلية كاللؤلؤ الواحد أفضل وأشرف وأحسن ذاتًا من ألف فلس، وإن كثرت كمية، ولعل البركة والقبول في عمل واحد الذي يحصل من مجاورة القبر الشريف يكون أعلى وأتم من أعمال كثيرة في غيره من الأماكن، وتمام هذا البحث استوفيناه في كتاب (جذب القلوب إلى ديار المحبوب)(١) تاريخ المدينة المطهرة، فليطلب ثمة، ثم الفرض والنفل سواء في المضاعفة عند أكثر العلماء، وقد خصّ بعض الحنفية وأكثر المالكية هذا الحكم بالفرض لحديث:(أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، ويمكن أن تكون النافلة في بيوت مكة والمدينة أفضل منها في بلاد أخر.
٦٩٣ - [٥](أبو سعيد الخدري) قوله: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) شد الرحال كناية عن السفر، أي: لا يقصد موضع بنية التقرب إلى اللَّه إلا أحد هذه الثلاثة تعظيمًا لشأنها، فإن ما سواها متساوٍ في الفضل، ففي أيِّ مسجد يصلي كتب له مثل ما في غيره، بخلاف المساجد الثلاثة؛ لما بين اللَّه لنا على لسان رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في مقادير تضعيف الثواب للمصلي في كل واحد منها، ثم المراد أنه لا يرحل من حيث قصد ذوات الأمكنة، وأما إن كان إليها حاجة من تعلم العلم أو التجارة أو نحو ذلك، فذلك
(١) باللغة الفارسية، طبع أول مرة في سنة ١٨٤٦ م، الموافق ١٢٦٣ هـ في كولكاتا.